وکاله آریا للأنباء - انطلقت فعالیات مهرجان أیام قرطاج المسرحیه مساء السبت، وتتواصل حتى 29 نوفمبر/تشرین الثانی الجاری، تحت شعار "المسرح وعی وتغییر، المسرح نبض الشارع" (من حساب المهرجان على فیسبوک)
أشاد المسرحی التونسی أحمد الصویعی مصباح بمهرجان أیام قرطاج المسرحیه فی دورته الـ26، لکنه دعا إلى منح المضمون مساحه أکبر فی العروض، معتبرا أن المسرح العربی لم یعد یعبر بصدق عن الواقع، وأن ما یقدمه الغرب فنیا لصالح القضیه الفلسطینیه یفوق ما یقدمه العرب أنفسهم.
وانطلقت فعالیات المهرجان مساء السبت، وتتواصل حتى 29 نوفمبر/تشرین الثانی الجاری، تحت شعار "المسرح وعی وتغییر، المسرح نبض الشارع". وتضم الدوره الحالیه 12 عرضا فی المسابقه الرسمیه، و15 عرضا ضمن قسم "مسرح العالم"، إلى جانب 16 عرضا تونسیا، و6 عروض عربیه وأفریقیه، و12 عرضا موجها للطفوله والناشئه. کما یشمل البرنامج 6 عروض للهواه، و16 عرضا فی قسم "مسرح الحریه" بمشارکه وحدات سجنیه ومراکز إصلاح.
وقال مصباح، وهو مخرج ومؤلف مسرحی ومفتش للتربیه المسرحیه بالمعاهد الثانویه، فی مقابله مع وکاله الأناضول، إن "تجربه مهرجان أیام قرطاج المسرحیه هی تجربه رائده، فهو أول مهرجان متوسطی عربی".
وأشار إلى أن المهرجان أُسس عام 1983 على ید مجموعه من الفنانین، فی مقدمتهم المخرج التونسی الراحل منصف السویسی الذی أدار دورته الأولى. وأضاف أن التظاهره شهدت عبر تاریخها تقلبات بین الصعود والهبوط، ووصل الأمر أحیانا إلى إلغاء المسابقه الرسمیه. ورغم نزول مستوى الاهتمام بالمهرجان، فإن المسابقه الرسمیه رجعت للمهرجان، واستطاعت أن تستعید حضورها وقیمتها عربیا وأفریقیا وحتى دولیا خلال السنوات الأخیره.
وتابع مصباح قائلا إن أیام قرطاج المسرحیه تبقى "قیمه ثابته ومکسبا وطنیا مهما"، لما تمثله من إشعاع ثقافی لتونس، ولما تمنحه للمسرحیین والجمهور من مساحه للتفاعل والإبداع.

المسرحی التونسی أحمد الصویعی مصباح (الأناضول) المسرح اجتماعی
وحول شعار الدوره الحالیه "المسرح وعی وتغییر"، قال مصباح، الذی درس الفن المسرحی فی تونس ومصر، إن "المسرح لم یخلق للفرجه فقط، بل للتطبیق والتطهیر والعلاج". وأضاف أنه "قد تأسس المسرح من أجل دوره الاجتماعی والعلاجی، فإما أن یکون المسرح اجتماعیا أو لا یکون. فلا یوجد ما یسمى مسرحا للمسرح أو مسرحا للمتعه فقط".
وشدد على أنه "إذا غاب البعد الاجتماعی عن العمل المسرحی، فسمه أی شیء آخر غیر المسرح". وتابع: "فکره المسرح الاجتماعی المطروحه فی هذه الدوره قد تکون محاوله من المنظمین لإعاده التذکیر بالهدف الأساسی للفعل المسرحی".
وأوضح مصباح أن المسرح، حتى عندما یتناول السیاسه، یبقى عملا اجتماعیا بالأساس، معتبرا أن "السیاسه نفسها شکل من أشکال العمل الاجتماعی". واستدرک أن "القضیه لیست فی التسمیه، بل فی مدى صدقها، وفی الالتزام بمضمونها وتطبیقها فعلیا على الخشبه".
نبض الشارع
وفی تعلیقه على شعار "المسرح نبض الشارع"، رأى مصباح أن الشارع الیوم "فاعل ومتحرک وفی حاله تفاعل وجودی مستمر"، لکن السؤال الأهم بنظره: "کیف یواکب المسرح التحولات الاجتماعیه والسیاسیه المتسارعه؟".
وأشار إلى أن التوافق بین الشعارات والعروض فی الدوره الماضیه کان "ضعیفا جدا إن لم یکن منعدما"، موضحا أن شعار الدوره الماضیه کان "المقاومه"، وقد حرص على متابعه جمیع العروض، خصوصا فی المسابقه الرسمیه، "على أمل أن أجد أثرا لهذا الشعار فی الأعمال المشارکه".
وأضاف: "لکننی لم أجد عرضا واحدا یمکن اعتباره مقاوما بالمعنى الذی تغنینا به، أی المقاومه الفلسطینیه فی مواجهه الکیان الصهیونی"، وذلک رغم أن الدوره السابقه أقیمت بینما کانت إسرائیل، بدعم أمیرکی، تشن حرب إباده جماعیه على الفلسطینیین فی غزه منذ السابع من أکتوبر/تشرین الأول 2023.
وتساءل مصباح، الذی عمل فی مصر ولیبیا قبل أن یستقر فی تونس: "إذا کان الشعار هو المقاومه، فلماذا لم تحدد شروط قبول العروض بالتناغم مع شعار الدوره؟".
وانتقل إلى الحاضر قائلا: "الیوم، هل ستکون العروض العربیه والأفریقیه المشارکه فعلا صوتا للشارع؟ أشک فی ذلک، بناء على خبرتی فی متابعه العلاقه بین المسرح والمجتمع".
وضرب مثالا بمصر قائلا: "هناک مهرجان المسرح التجریبی، لکن العروض فیه لا علاقه لها بالتجریب، فهی نفسها التی تعرض فی بیروت والرباط وبغداد". وتابع أن "العروض العادیه تذهب إلى القاهره، ثم تسمی نفسها مسرحا تجریبیا. مشکلتنا لیست فی العروض وحدها، بل فی المصطلحات والالتزام بمضامینها، وفی الفجوه بین الأعمال المسرحیه والواقع".
معاناه الشعوب
وبخصوص حضور معاناه الشعوب العربیه فی الدوره الـ26 من أیام قرطاج المسرحیه، قال مصباح إن "الشارع العربی یعیش الیوم حاله حراک واسعه للتحرر من الهیمنه الغربیه ومن أشکال الظلم والدکتاتوریه والاستبداد الداخلی". لکنه تساءل: "هل المسرح العربی الیوم هو فعلا صوت هذا الشارع؟ أشک فی ذلک".
وأضاف أنه سیکون "سعیدا لو اشترطت اللجنه المنظمه أن تکون الأعمال المشارکه مستوحاه من نبض الشارع العربی وهادفه إلى توعیته، مهما کانت الفکره أو الأسلوب".
ورأى مصباح أن العروض الاجتماعیه تراجعت بوضوح منذ انسحاب الممثل التونسی عبد القادر مقداد، الذی قدم أعمالا نقدیه قبل ثوره تونس فی ینایر/کانون الثانی 2011، ولجأ لاحقا إلى "عزلته الإرادیه". وأضاف أن "مسرح المواطنه فی العالم العربی أصبح مفقودا منذ أن توقفت أسماء رائده عن الکتابه والإخراج".
وعدّد من بین هؤلاء روجیه عساف فی لبنان، والراحل سعد الله ونوس (1941 – 1997)، إضافه إلى عز المدنی فی تونس الذی توقف عن الکتابه، رغم أن أعماله التراثیه کانت تحمل دلالات اجتماعیه مهمه.
وتابع مصباح قائلا إن "العروض التی یکتبها المخرجون الیوم باتت بعیده عن الواقع الاجتماعی والسیاسی والثقافی، ولا ترتبط حتى بتاریخ تونس أو العالم العربی". وأضاف "بل إن کثیرا منها ینسخ عروضا أجنبیه، فتشاهد عرضا یصفق له الجمهور، لکنک إذا سألت عن موضوعه لن تجد إجابه، لأن الفکره الأصلیه غائبه".
أوضاع صعبه
وتساءل مصباح: "هل ما خصص لفلسطین فی الدوره السابقه أثمر فعلا وعیا أو سلوکا موجها نحو القضیه، أم کان مجرد شعار یرفع ثم یختفی؟"، مشیرا إلى أن الحضور الفلسطینی فی المهرجان ظل، برأیه، شکلیا وغیر مؤثر.
وأضاف: "حتى الندوه الخاصه بالمقاومه، التی نظمتها الهیئه العربیه للمسرح، لم تتناول فلسطین ومستقبلها، ولا ناقشت ما یمکن أن یقدمه المسرح فعلیا لخدمه القضیه". واعتبر أنه کان من الممکن إطلاق ورشات کتابه وإعداد عروض مسرحیه مخصصه لفلسطین، لکن "لم ینجز شیء، وبقی الأمر فی حدود الشعارات الموجهه للاستهلاک الآنی".
وأشار مصباح إلى أن الغرب بات یسبق العرب فی إنتاج أعمال فنیه داعمه للقضیه الفلسطینیه، قائلا: "ما ینتجه الغرب لصالح فلسطین أکبر مما ینتجه العرب لفلسطین وللشعوب العربیه عموما".
وتوقف عند معاناه الشعوب العربیه، موضحا أن "السودان یعیش مأساه حقیقیه منذ اندلاع الحرب بین الجیش وقوات الدعم السریع عام 2023، وسائر الشعوب العربیه تعانی بأشکال مختلفه، لکن هل استطاع الفن تقدیم صوره صادقه عنها؟".
وأکد مصباح أن الفنان العربی "لا یمتلک الشجاعه لمعارضه مموله الرسمی، فطالما بقی التمویل بید الدوله أو الأنظمه، سیظل المسرحی والمثقف تابعین لا مستقلین".
المسرح "المقاوم"
ورغم ملاحظاته النقدیه، أکد مصباح أن المسرح سیظل فنا مقاوما مهما مر بفترات هیمنه بعض الانتهازیین، مضیفا "أنا أتابع جیدا ما یقدمه الشباب، وهم یقاومون بالفعل، وسیثمر ذلک أعمالا جیده فی المستقبل".
وأشار إلى أن "منظومه قدیمه هیمنت على النشاط المسرحی والمهرجانات طوال الـ30 عاما الماضیه، ولا تزال تسیطر إلى الیوم، لکن هذا الوضع سیتغیر، فالأجیال الجدیده تحمل رؤیه مختلفه تماما".
ورأى مصباح أن "طوفان الأقصى" فی السابع من أکتوبر/تشرین الأول 2023 "عدّل کثیرا من الموازین داخل العقل العربی، خاصه لدى الشباب"، معبرا عن تفاؤله بتأثیر هذا التحول على الوعی الثقافی والفنی.
وکانت حرکه المقاومه الإسلامیه (حماس) قد شنت فی ذلک الیوم هجوما على قواعد عسکریه ومستوطنات قرب غزه، أسفر عن قتل وأسر إسرائیلیین، فی عملیه قالت الحرکه إنها جاءت ردا على "جرائم الاحتلال الیومیه بحق الشعب الفلسطینی ومقدساته، لا سیما المسجد الأقصى".
وتواصل إسرائیل منذ عقود احتلالها لفلسطین وأراض فی سوریا ولبنان، وترفض الانسحاب منها أو السماح بقیام دوله فلسطینیه مستقله عاصمتها القدس الشرقیه على حدود ما قبل حرب 1967.
المصدر: وکاله الأناضول