وکاله آریا للأنباء - تکشف مقاطع الفیدیو القصیره على الإنترنت عن تحوّل فی أنماط استخدام الأطفال للوسائط الرقمیه، حیث انتقلت من کونها وسیله ترفیه عابره إلى عنصر یومی مؤثر فی حیاتهم النفسیه والاجتماعیه.
فما کان یُستخدم سابقا لملء أوقات الفراغ، أصبح الیوم وسیله للاسترخاء والتواصل وتشکیل الآراء لدى الأطفال والمراهقین، إذ تجذب منصات مثل "تیک توک" و"إنستغرام" و"یوتیوب شورتس" مئات الملایین ممن هم دون سن الثامنه عشره عبر خلاصات محتوى مخصّصه لا تنتهی.
وتتمیّز هذه التطبیقات بحیویتها وسهوله الوصول إلى الفکاهه والاتجاهات الرائجه والتفاعل الاجتماعی، إلا أن تصمیمها القائم على التمریر المستمر والتشغیل التلقائی یشجّع على جلسات طویله من التصفح یصعب على المستخدمین الصغار التحکم فیها.
ورغم أن هذه المنصات لم تصمّم فی الأصل للأطفال، فإن استخدامها الیومی بات شائعا بینهم، وغالبا دون إشراف مباشر.

دراسه تظهر ضرر التلفاز والأجهزه الذکیه على صحه الطفل
وبالنسبه لبعض الأطفال فی سن ما قبل المراهقه، تساهم هذه المنصات فی بناء الهویه وتوسیع الاهتمامات والحفاظ على الصداقات. غیر أن التدفق المتواصل للمحتوى یؤثر سلبا لدى آخرین فی النوم، ویضعف القدره على ضبط النفس، ویحد من الوقت المخصص للتأمل والتفاعل الهادف.
ولا تقتصر المشکله على طول مده الاستخدام، بل تمتد إلى أنماط من التصفح القهری یصعب التوقف عنها، وهو ما ینعکس على النوم والمزاج والانتباه والتحصیل الدراسی والعلاقات الاجتماعیه.
وقد صُمّمت مقاطع الفیدیو القصیره، التی تتراوح مدتها عاده بین 15 و90 ثانیه، لاستثاره انتباه الدماغ وتحفیز رغبته الدائمه فی الجدید؛ فکل تمریره تحمل محتوى مختلفا، سواء أکان ترفیهیا أم صادما، ما یؤدی إلى استجابه فوریه لنظام المکافأه فی الدماغ.
ومع ندره التوقف الطبیعی للمحتوى، تتلاشى فترات الراحه الذهنیه التی تساعد على إعاده الترکیز، الأمر الذی قد یضعف مع مرور الوقت القدره على ضبط النفس والانتباه المستمر.
وفی هذا السیاق، أظهر تحلیل شمل 71 دراسه ونحو 100 ألف مشارک وجود ارتباط متوسط بین الاستخدام المکثف لمقاطع الفیدیو القصیره وقصر مدى الانتباه وتراجع القدره على التحکم الذاتی.
ویعد النوم من أکثر الجوانب تأثرا بهذا النوع من المحتوى، إذ یشاهد کثیر من الأطفال الشاشات فی أوقات یفترض أن یستعدوا فیها للراحه. ویساهم الضوء الساطع فی تأخیر إفراز هرمون المیلاتونین المسؤول عن تنظیم النوم، بینما تبقی التقلبات العاطفیه المصاحبه للمحتوى السریع الدماغ فی حاله تنبّه مستمر.
وأشارت دراسات حدیثه إلى ارتباط الإفراط فی استخدام مقاطع الفیدیو القصیره باضطرابات النوم وارتفاع مستویات القلق الاجتماعی لدى بعض المراهقین، وهی عوامل تؤثر بدورها فی المزاج والذاکره والقدره على التحمل، وقد تخلق حلقه مفرغه یصعب کسرها، خصوصا لدى الأطفال الذین یعانون من التوتر أو الضغوط الاجتماعیه.
کما یساهم التدفق المستمر لصور الأقران وأنماط الحیاه المصقوله فی تعزیز المقارنه الاجتماعیه، إذ قد یستوعب الأطفال معاییر غیر واقعیه للشعبیه والمظهر والنجاح، وهو ما یرتبط بانخفاض تقدیر الذات وازدیاد القلق.

هل تؤثر الشاشات على ذکاء طفلک؟.. کشف العلاقه بین وقت الشاشه وتطور اللغه
وتشیر الأبحاث إلى أن الأطفال الأصغر سنا أکثر عرضه للتأثر، لکونهم أقل نضجا فی ضبط النفس وأکثر هشاشه فی تکوین الهویه. ویزید التصمیم التلقائی لتطبیقات الفیدیو القصیره من احتمالیه تعرضهم لمحتوى غیر مقصود، مثل مشاهد عنیفه أو تحدیات مؤذیه أو مواد ذات طابع جنسی، دون سیاق أو تحذیر مسبق.
وعلى عکس المحتوى الطویل، لا یوفّر الفیدیو القصیر وقتا کافیا للاستعداد النفسی، وقد تؤدی تمریره واحده إلى انتقال مفاجئ فی النبره والمضمون، وهو ما یشکل صدمه خاصه للأدمغه النامیه.
ولا یتأثر جمیع الأطفال بالطریقه نفسها؛ إذ تبدو التأثیرات أکثر حده لدى من یعانون من القلق أو صعوبات الترکیز أو اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط (ADHD).
وتکتسب هذه القضیه أهمیه خاصه لأن الطفوله مرحله أساسیه لتعلم تحمّل الملل وبناء العلاقات وتنظیم المشاعر. وعندما تُملأ کل لحظه صمت بمحتوى سریع، تتراجع فرص أحلام الیقظه واللعب الإبداعی والتفاعل الأسری، وهی عناصر ضروریه لتطور الترکیز الداخلی والقدره على التهدئه الذاتیه.
وعلى مستوى الأسره، یمکن للحوار المفتوح أن یساعد الأطفال على فهم عاداتهم الرقمیه، من خلال مشاهده المحتوى معهم، ومناقشه أسباب جاذبیته وتأثیره. کما یساهم اعتماد روتین منزلی، مثل إبعاد الأجهزه عن غرف النوم وتحدید وقت لإیقاف الشاشات، فی تحسین النوم والحد من التصفح اللیلی، إلى جانب تشجیع الأنشطه غیر الرقمیه.
التقریر من إعداد کاثرین إیستون، محاضره فی علم النفس، جامعه شیفیلد.
المصدر: ساینس الرت